ان طرح موضوع ابتداء اللغة العربية والعروبة منذ فجر التاريخ من الجزيرة واستمرارها الى يومنا هذا ليس موضوعا للتفريق بين ان تكون العروبة بدات من سوريا او الحجاز ، انما يخدم الحقيقة فقط لذلك كان علينا الالتزام بالحقيقة حتى لو لم تكن في وطننا الصغير او في بلادنا القريبة , من هنا لا يكفي ان نكون طرابلسيين او سوريين حتى تكون العروبة و الحضارة بدات من سوريا , فكما اننا ناخذ على اليونانيين و الاوروبيين هذه المقولة التي تجعل اليونان ام الحضارة , ثم تعيد كل الدنيا الى اللغات الهندية الاوروبية هكذا دون تمحيص وتحاول تقسيم الحضارة الى حضارات صغيرة وتجمعات مسكينة لا حول لها ولا قوة في تاريخ يكتنفه الظلام ، الى جانب حضور يوناني مضيء .
ويعيبهم جورجي كنعان ( السوري ) في كتابه ايل العالي ص 108 حين يقول (( درج المؤرخون الغربيون المختصون بدراسة تاريخ الشرق المتوسطي القديم على اعتبار كل اقليم من اقاليم سوريا الطبيعية وحدة مستقلة حضاريا وسياسيا عن الاخر , فجاءت دراساتهم تحمل اسماء الاقاليم المدروسة .
ويبدوا انهم عجزوا او تغافلوا عن رؤية الوحدة الحضارية ( بله الوحدة التاريخية ) في سوريا الطبيعية . هذه الوحدة التي تشد منطقة حوض النهرين الى البحر المتوسط واعالي جبال اشور الى قوس الصحراء . لذلك حاولت في ما تقدم ( والكلام لجورجي كنعان ) ان اجمع بعض ما دبجته اقلام الباحثين من تعليقات في ما تكشف عنه اطلال الحواضر السورية من اثار فنية وعمرانية ومن نصوص في مختلف فنون المعرفة , تحت عنوان ( مقدمة في تاريخ الحضارة السورية) على اعتبار ان سوريا الطبيعية وحدة تاريخية مفهومة , اي وحدة شعوب وجماعات متشابهة في صفاتها الحضارية الخاصة وفلسفتها الحياتية )) - من هنا نسال جورجي كنعان هل ان الجزيرة العربية بقسمها الجنوبي ( اليمن -حضرموت - عمان ) لا تشبه حضارة شرق المتوسط (بلاد الشام) و بقسمها الشمالى الغربية ( الحجاز - اليمامة ) لا تشبه البادية السورية وسوريا الداخلية , في صفاتها الحضارية الخاصة وفي فلسفتها الحياتية خاصة وانهم يشتركون في لغة متشابهة في اللفظ والحروف في اليمن والشام وعادات وتقاليد متشابة ايضا , الم يستغرب جورجي كنعان والعلماء الغربيين وجود اكثر من صور واكثر من صيدا بين هاتين المنطقتين , وهل سال احد منهم ما الفرق بين( صور او بين صيدا وصيدون) , وهل فعلا نستطيع الفصل بين تاريخ الجزيرة العربية وبين تاريخ سوريا الطبيعية ؟؟
ونتساءل لماذا جورجي كنعان ( وغيره) ولاسباب لا يمكن ان نفهمها وقع في ما انتقد به المؤرخون الغربيون المتخصصون بدراسة تاريخ الشرق الادنى فجعل سوريا وحدة مستقلة حضاريا عن الجزيرة العربية ايضا خلافا للحقيقة التاريخية التي تقول ان سوريا الطبيعية هي جزء من وحدة جغرافية كبيرة تضم حواضر اشور وفينيقيا ولكنها تنتمي بالتالي الى وحدة جغرافية واقتصادية اكبر منذ فجر التاريخ هي وحدة المشرق العربي اليمن وحضرموت والخليج و الشام وساحل البحر السوري و تتمثل في رحلات التجارة والرعي لتلك الاقوام التي كانت تجوب الجزيرة العربية وسوريا الطبيعية ( وغيرها من البلاد ) على حد سواء ولا يمكن دراسة معطياتها الحضارية بما تجمعه من تجمعات بشرية الا بدراسة تلك الاقوام في مواطنهم الاصلية في جزيرة العرب قبل الهجرة او الاتنقال الى سوريا , ولماذا هاجروا وعادوا ثم هاجروا وعادوا ؟ , والعكس صحيح بل اكثر من ذلك ان تاريخ و حضارة مصر لا تنفصل ابدا عن حضارة اؤلئك الاقوام الرحل الذين هاجروا الى مصر من الجزيرة العربية منذ فجر التاريخ الانساني حتى انه لا يوجد نبي واحد من الانببياء لم يذهب الى مصر ، حتى ان الرسول الكريم محمد ارسل قسما من المسلمين الى الحبشة ( مصر العليا ) هربا من أذى كفار مكة ، كما انه قام بزيارة سوريا قبل النبوة .
ان الباحث المتجرد لا يمكن ان يدرس تاريخ سوريا بشكل مستقل عن الجزيرة العربية و لا عن تاريخ مصر لان مثل هذه الدراسة تصبح ناقصة تحتاج الى دراسة اصول عدد كبير من سكان سوريا الطبيعية ( قد يصل الى جميع سكانها عند بعض المؤرخين ) واصل ومبتدا تلك الحضارات التي شهدتها سوريا الطبيعية ( كحضارة سومر التي ظهرت فجاة من مكان مجهول ؟؟ و الحضارة التي سبقت سومر في تل العبيد ) او بالااستمرار والتناقل كحضارات بابل واكاد واشور وغيرها , والتي يعتقد البعض انها بنت الحضارة الارامية ( العربية ) التي تعود الى اقوام كانوا يتنقلون بين سوريا والجزيرة العربية طلبا للمرعى شمالا وطلبا للراحة النفسية - الدينية والفكرية جنوبا والتي تتمثل في رحلات الحج من جهة والتجارة من جهة اخرى . والامثلة والشواهد على ذلك اكبر من ان تحصى .
اذا اردنا تحديد مكان قدوم حضارة سومر الى بلاد الرافدين ، فان المرجح انهم قدموا من جبل ( شمر ) الواقع في بادية الشام ، و هناك الى اليوم قبائل شمرية تتنقل في بادية الشام، كما أن الجبل يحمل اسمهم الى يومنا هذا .
في العصور المسيحية كان اهل اليمن يعتنقون اليهودية و المسيحية ، و لقد قام الحكام في اليمن ببناء كعبات و مراكز للعبادة لكي تنافس الكعبة المشرفة في الحجاز ، و ان دل هذا على شئ فانما يدل انه كان لشعوب سوريا الطبيعية رحلات دينية ايضا الى عمق جزيرة العرب في العصور المختلفة الى الحجاز و اليمن الى جانب رحلاتهم التجارية المعروفة .
إن اللغة الارامية التي انتشرت في العصور القديمة في سوريا لتشكل منها وحدة فكرية في كثير من العصور قد امتدت الى فارس واليونان ايضا ( و إلى شمال افريقيا واسبانيا كما يعتقد المؤرخون حديثا ) و لا يمكن فصل تاريخ هذه اللغة عن تاريخ الجزيرة العربية اطلاقا , لان اولئك الاقوام باعتراف جميع العلماء ينتمون الى الجزيرة العربية نصا وروحا , ولان هذه القبائل كانت تتنقل بين سوريا كلها والجزيرة العربية , كما ان اللغات الكنعانية للشعوب التي استوطنت غرب سوريا لا يمكن فصلها عن تاريخ جنوب الجزيرة العربية ( اليمن - حضرموت - سبأ- عمان ) فالمكتشفات الاثرية في اليمن تشير الى العلاقة الوثيقة بين اللغة الفينيقية و الكتابة اليمنية ، فالتماثل الحضاري بينها يتعدى حياة الشعوب و اسماء المدن( صيدا صور جبيل ) ليتوغل في حياة الافراد والطقوس والعادات و العبادات , وهذه الشعوب الكنعانية ( المستقرة - قنعانية - كنانية - نسبة الى كنانة من مصدر قنع في ارضه و استقر بها ) ينطبق عليها فعل الهجرة بسبب القحط ( من المنطقة القحطانية ) وربما لامر اخر , منذ فجر التاريخ لتستقر في شرق المتوسط ( وفي شرق افريقيا ايضا ) ناقلة معها حضارتها وسفنها ومراكبها وادواتها وصياديها , في الوقت الذي ينطبق على الاراميين تسمية الرحل نظرا لترحالهم المستمر بين البوادي المنتشرة في نجد وتهامة واليمن متنقلة هي ومواشيها حتى تصل الى بوادي الشام , فتستقر جماعة منهم في تلك الديار و تعود جماعة اخرى الى الترحال دون ان ينقطع احدهما عن الاخر او ان يغيب , وجاء تعبير القران الكريم (( لايلاف قريش , ايلافهم رحلة الشتاء والصيف , فليعبدوا رب هذا البيت , الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف )) تعبيرا دقيقا عن رحلات الحج طلبا للراحة النفسية ورحلات التجارة و الرعي طلبا للراحة المادية .
اذا هناك الكثير من التحامل والتغافل الحضاري عندما يقول جورجي كنعان (( والواقع ان بين السن البابلية والاشوريين والاموريين والكنعانيين والاراميين واخيرا العرب المسلمين من التشابه )) - ناسيا او متناسيا ان للعرب المسيحيين وجودهم في سوريا قبل الاسلام بقرون كما أن وجود العرب في سوريا يعود الى الامبرطورية الرومانية ( أذينة مثلا ) ، وهذا امر تاريخي لا يجب ان نغفل عنه ولا يمكن سلخه عن تاريخ سوريا كما ان المسيحيين الشرقيين ساعدوا المسلمين على تحرير سوريا الطبيعية من احتلال الروم الغربيين وتخلصوا من ظلم بيظنطية و القسطنطينية ( التي كانت تظلم عدد كبيرا من الطوائف المسيحية التي لا توافق على سياستها و نهجها الديني ايضا ) , ويقول جورجي كنعان (( والاعتراف بان هذه الالسن ( يقصد السامية ) تكون مجموعة واحدة يؤدي الى الاعتقاد بان الشعوب ( يقصد شعوب سوريا الطبيعية ) التي تكلمت بها كانت متحدة في وقت ما عبر التاريخ )) - , فهل ان الشعوب الموجودة في الجزيرة العربية لم تكن متحدة معها في وقت ما عبر التاريخ ؟ ، انه المطب ذاته الذي وقع فيه الغربيون باقحامهم السياسة في التاريخ , فجزءوا سوريا الطبيعية بعد ان سلخوها عن تاريخها الحضاري ووحدتها مع الجزيرة العربية , فجاء جرجي كنعان و اولئك الذين نسجوا على منوالهم ( باراء خاصة بهم ) فجعلوا من سوريا العقل المدبر والمفكر الذي انتج الحضارات واخترع اللغة وحقق الانجازات العلمية بعد ان توهموا ان دور الجزيرة العربية كان معطلا منذ فجر التاريخ . وجورحي كنعان وان لم يكن مؤرخا غربيا فانه مشبع بروح غربية على ما يبدو تجعله يتغاضى او يمر مرور الكرام على العلاقة الحضارية الامومية التي تربط الجزيرة العربية بسوريا , والشيء نفسه ينطبق على حضارة وادي النيل التي هي جزء من حضارة الجزيرة العربية وسوريا على حد سواء .
لذلك فان حضارة سوريا بما فيها حوض دجلة والفرات , وحضارة وادي النيل يجسدان النتيجة الحتمية لبزوغ الحضارة في مهدها الجزيرة العربية وحضارتهما انما هي حضارة الشعب الذي هاجر من موطنه الاصلي ( لاسباب عديدة ) ناقلا معه حضارته التي بقيت في الادلة الدينية , التوراة والانجيل والقران , كما بقيت في مدنه الجديدة التي كانت نسخا لمدنه التي هاجر منها بالتسمية والشكل .
من هنا نرى ان اي محاولة في كتابة تاريخ سوريا بمعزل عن تاريخ الجزيرة العربية او حتى عن تاريخ مصر و شمال افريقيا تكون محاولة ناقصة تحتاج الى ما يكمل معالمها ، فالفينيقيين تركوا اثرا بالغا في شمال افريقيا امتد الى اسبانيا ايضا , واي دراسة للاشوريين او الاموريين او الفينيقيين وحتى للعبرانيين تكون ناقصة اذا لم يلحق الباحث هذه القبائل الى موطنها الاصلي في جزيرة العرب للتعرف على طبيعتها قبل الهجرة التي لم تتغير كثيرا بعد هجرتها الى مصر او الحبشة وحتى الى سوريا .
لقد دخل في كتب الكثير من الباحثين مغالطات تاريخية , معتمدين على مقولات العلماء الغربيين ناخذ منها مثلا ما يتعلق ببحر امورو العظيم الذي يعتقده البعض البحر الواقع في شرق البحر المتوسط , بينما هو في الحقيقة في بحر العرب , مثلا يقال (( ان تغلات بيلاسر - (1112-1074 ق.م.) تقدم الى سوريا العليا ووصل الى بحر امورو العظيم ( الغربي) , استنادا الى حولياته التي تقول : ذهبت الى جبل لبنان ثم عبر البحر الى ارواد وقطعت جزوع الارز وعدت بها عبر امورو. )) والمفارقة انه لا يمكنه ان يعود بجزوع الارز عبر بحر امورو اذا لم يكن له شواطيء مع بحر امورو . ان الاشوريون هم الذين يطلقون عليه اسم بحر امورو العظيم ويسمون سكانه ملوك وسط البحر (( حيث يقول ان ملوك وسط البحر من ( ي د ن ن ) بلاد ( ي م ن) حتى ( ترسس) خضعت تحت اقدامه )) وهنا نعلم ان ملوك وسط البحر هم ملوك اليمن وعمان ( ي م ن ) , كما ان( ي د ن ن) هي (عدنان - عدن) ,و سماهم شعوب وسط البحر لان بلادهم شبه جزيرة تقبع في وسط البحر ويحيط بها البحر من كل جانب كما يتجلى اسم البحر في اسماء مناطقها ( ( يما= يممن ) بالتنوين والفتحتين و (عمان ، عوما= بالتنوين والفتحتين) , وقول الملك الاشوري (( وغسلت اسلحتي في بحر امورو العظيم )) فلا بد من وجود بحر عظيم لا نهاية له بالنسبة لهذا الفاتح , ولا يوجد في التاريخ اكثر سذاجة من الذين اعتقدوا انه البحر الابيض المتوسط ( وصفته متوسط ) و اطلقوا اسم البحرالعظيم على بحر مغلق ( مثل البحر المتوسط ) له نهايات وصل اليها التجار والبحارة والفاتحون عبر التاريخ كله , وغفلوا عن بحر لا حدود له ولا نهايات ، لذلك فتعبير بحر امورو العظيم يجب ان يكون لبحر العرب الذي لا حدود له ولا نهاية لاتصاله بالمحيط الهندي , كما ان هذا البحر يتصل ببلاد الفرس والاشوريين من الخليج العربي ، مما يبرر جملة ( وعدت بها عبر امورو ) في النص الاشوري .
والنقطة المؤكدة الاخيرة المتعلقة ببحر امورو العظيم هو تلك الكلمات التي ذكرها ابن بطوطة الرحالة العربي المعروف واصفا رحلته الى اليمن حيث يقول (( ومدينة صنعاء مفروشة كلها فاذا نزل المطر غسل جميع ازقتها وانقاها وجامع صنعاء من احسن الجوامع وفيه قبر نبي من الانبياء عليهم السلام . ثم سافرت الى مدينة عدن مرسى بلاد اليمن على ساحل البحر الاعظم والجبال تحف بها ولا مدخل لديها الا من جانب واحد )) - رحلة ابن بطوطة-صفحة -243 و244 . من هنا نرى ان ابن بطوطة ذكر هذا البحر باسم البحر الاعظم , وهو اللفظ نفسه الذي اطلقه عليه الملك الاشوري بحر امورو العظيم .
لقد قفز العديد من المؤرخين فوق دور الجزيرة العربية في صنع التاريخ مستندين الى مقولات غير دقيقة , من هنا نرى ان جورجي كنعان الذي يشيد بدور الفينيقيين في شرق المتوسط ( وهذا متفق عليه ) وبابوتهم للحضارة اليونانية وبالتالي للرومان والاوروبيين يقفز من فوق دور الجزيرة العربية في التاريخ كله حاضره وماضيه وفوق دور الرواد العرب في كافة العصور وحتى في العصر الاسلامي فيقول على لسان بيرار (( لقد كان الفينيقيين لليونان ما كان اليونانيون بدورهم للرومان وما كان الرومان للغرب والغربيون للانسانية جمعاء )) ان جورجي مخطيء كثيرا هو وبيرار لان الحضارة السورية بدأ ت من الجزيرة العربية وبالتالي فانها بنت العروبة التي هي ام كل حضارة ومدنية
تحياتي وأشواقي..أبعثها لكم يا أصدقائي..فكلما رأيتكم ..نسيت تعبي وشقائي...
.
ويعيبهم جورجي كنعان ( السوري ) في كتابه ايل العالي ص 108 حين يقول (( درج المؤرخون الغربيون المختصون بدراسة تاريخ الشرق المتوسطي القديم على اعتبار كل اقليم من اقاليم سوريا الطبيعية وحدة مستقلة حضاريا وسياسيا عن الاخر , فجاءت دراساتهم تحمل اسماء الاقاليم المدروسة .
ويبدوا انهم عجزوا او تغافلوا عن رؤية الوحدة الحضارية ( بله الوحدة التاريخية ) في سوريا الطبيعية . هذه الوحدة التي تشد منطقة حوض النهرين الى البحر المتوسط واعالي جبال اشور الى قوس الصحراء . لذلك حاولت في ما تقدم ( والكلام لجورجي كنعان ) ان اجمع بعض ما دبجته اقلام الباحثين من تعليقات في ما تكشف عنه اطلال الحواضر السورية من اثار فنية وعمرانية ومن نصوص في مختلف فنون المعرفة , تحت عنوان ( مقدمة في تاريخ الحضارة السورية) على اعتبار ان سوريا الطبيعية وحدة تاريخية مفهومة , اي وحدة شعوب وجماعات متشابهة في صفاتها الحضارية الخاصة وفلسفتها الحياتية )) - من هنا نسال جورجي كنعان هل ان الجزيرة العربية بقسمها الجنوبي ( اليمن -حضرموت - عمان ) لا تشبه حضارة شرق المتوسط (بلاد الشام) و بقسمها الشمالى الغربية ( الحجاز - اليمامة ) لا تشبه البادية السورية وسوريا الداخلية , في صفاتها الحضارية الخاصة وفي فلسفتها الحياتية خاصة وانهم يشتركون في لغة متشابهة في اللفظ والحروف في اليمن والشام وعادات وتقاليد متشابة ايضا , الم يستغرب جورجي كنعان والعلماء الغربيين وجود اكثر من صور واكثر من صيدا بين هاتين المنطقتين , وهل سال احد منهم ما الفرق بين( صور او بين صيدا وصيدون) , وهل فعلا نستطيع الفصل بين تاريخ الجزيرة العربية وبين تاريخ سوريا الطبيعية ؟؟
ونتساءل لماذا جورجي كنعان ( وغيره) ولاسباب لا يمكن ان نفهمها وقع في ما انتقد به المؤرخون الغربيون المتخصصون بدراسة تاريخ الشرق الادنى فجعل سوريا وحدة مستقلة حضاريا عن الجزيرة العربية ايضا خلافا للحقيقة التاريخية التي تقول ان سوريا الطبيعية هي جزء من وحدة جغرافية كبيرة تضم حواضر اشور وفينيقيا ولكنها تنتمي بالتالي الى وحدة جغرافية واقتصادية اكبر منذ فجر التاريخ هي وحدة المشرق العربي اليمن وحضرموت والخليج و الشام وساحل البحر السوري و تتمثل في رحلات التجارة والرعي لتلك الاقوام التي كانت تجوب الجزيرة العربية وسوريا الطبيعية ( وغيرها من البلاد ) على حد سواء ولا يمكن دراسة معطياتها الحضارية بما تجمعه من تجمعات بشرية الا بدراسة تلك الاقوام في مواطنهم الاصلية في جزيرة العرب قبل الهجرة او الاتنقال الى سوريا , ولماذا هاجروا وعادوا ثم هاجروا وعادوا ؟ , والعكس صحيح بل اكثر من ذلك ان تاريخ و حضارة مصر لا تنفصل ابدا عن حضارة اؤلئك الاقوام الرحل الذين هاجروا الى مصر من الجزيرة العربية منذ فجر التاريخ الانساني حتى انه لا يوجد نبي واحد من الانببياء لم يذهب الى مصر ، حتى ان الرسول الكريم محمد ارسل قسما من المسلمين الى الحبشة ( مصر العليا ) هربا من أذى كفار مكة ، كما انه قام بزيارة سوريا قبل النبوة .
ان الباحث المتجرد لا يمكن ان يدرس تاريخ سوريا بشكل مستقل عن الجزيرة العربية و لا عن تاريخ مصر لان مثل هذه الدراسة تصبح ناقصة تحتاج الى دراسة اصول عدد كبير من سكان سوريا الطبيعية ( قد يصل الى جميع سكانها عند بعض المؤرخين ) واصل ومبتدا تلك الحضارات التي شهدتها سوريا الطبيعية ( كحضارة سومر التي ظهرت فجاة من مكان مجهول ؟؟ و الحضارة التي سبقت سومر في تل العبيد ) او بالااستمرار والتناقل كحضارات بابل واكاد واشور وغيرها , والتي يعتقد البعض انها بنت الحضارة الارامية ( العربية ) التي تعود الى اقوام كانوا يتنقلون بين سوريا والجزيرة العربية طلبا للمرعى شمالا وطلبا للراحة النفسية - الدينية والفكرية جنوبا والتي تتمثل في رحلات الحج من جهة والتجارة من جهة اخرى . والامثلة والشواهد على ذلك اكبر من ان تحصى .
اذا اردنا تحديد مكان قدوم حضارة سومر الى بلاد الرافدين ، فان المرجح انهم قدموا من جبل ( شمر ) الواقع في بادية الشام ، و هناك الى اليوم قبائل شمرية تتنقل في بادية الشام، كما أن الجبل يحمل اسمهم الى يومنا هذا .
في العصور المسيحية كان اهل اليمن يعتنقون اليهودية و المسيحية ، و لقد قام الحكام في اليمن ببناء كعبات و مراكز للعبادة لكي تنافس الكعبة المشرفة في الحجاز ، و ان دل هذا على شئ فانما يدل انه كان لشعوب سوريا الطبيعية رحلات دينية ايضا الى عمق جزيرة العرب في العصور المختلفة الى الحجاز و اليمن الى جانب رحلاتهم التجارية المعروفة .
إن اللغة الارامية التي انتشرت في العصور القديمة في سوريا لتشكل منها وحدة فكرية في كثير من العصور قد امتدت الى فارس واليونان ايضا ( و إلى شمال افريقيا واسبانيا كما يعتقد المؤرخون حديثا ) و لا يمكن فصل تاريخ هذه اللغة عن تاريخ الجزيرة العربية اطلاقا , لان اولئك الاقوام باعتراف جميع العلماء ينتمون الى الجزيرة العربية نصا وروحا , ولان هذه القبائل كانت تتنقل بين سوريا كلها والجزيرة العربية , كما ان اللغات الكنعانية للشعوب التي استوطنت غرب سوريا لا يمكن فصلها عن تاريخ جنوب الجزيرة العربية ( اليمن - حضرموت - سبأ- عمان ) فالمكتشفات الاثرية في اليمن تشير الى العلاقة الوثيقة بين اللغة الفينيقية و الكتابة اليمنية ، فالتماثل الحضاري بينها يتعدى حياة الشعوب و اسماء المدن( صيدا صور جبيل ) ليتوغل في حياة الافراد والطقوس والعادات و العبادات , وهذه الشعوب الكنعانية ( المستقرة - قنعانية - كنانية - نسبة الى كنانة من مصدر قنع في ارضه و استقر بها ) ينطبق عليها فعل الهجرة بسبب القحط ( من المنطقة القحطانية ) وربما لامر اخر , منذ فجر التاريخ لتستقر في شرق المتوسط ( وفي شرق افريقيا ايضا ) ناقلة معها حضارتها وسفنها ومراكبها وادواتها وصياديها , في الوقت الذي ينطبق على الاراميين تسمية الرحل نظرا لترحالهم المستمر بين البوادي المنتشرة في نجد وتهامة واليمن متنقلة هي ومواشيها حتى تصل الى بوادي الشام , فتستقر جماعة منهم في تلك الديار و تعود جماعة اخرى الى الترحال دون ان ينقطع احدهما عن الاخر او ان يغيب , وجاء تعبير القران الكريم (( لايلاف قريش , ايلافهم رحلة الشتاء والصيف , فليعبدوا رب هذا البيت , الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف )) تعبيرا دقيقا عن رحلات الحج طلبا للراحة النفسية ورحلات التجارة و الرعي طلبا للراحة المادية .
اذا هناك الكثير من التحامل والتغافل الحضاري عندما يقول جورجي كنعان (( والواقع ان بين السن البابلية والاشوريين والاموريين والكنعانيين والاراميين واخيرا العرب المسلمين من التشابه )) - ناسيا او متناسيا ان للعرب المسيحيين وجودهم في سوريا قبل الاسلام بقرون كما أن وجود العرب في سوريا يعود الى الامبرطورية الرومانية ( أذينة مثلا ) ، وهذا امر تاريخي لا يجب ان نغفل عنه ولا يمكن سلخه عن تاريخ سوريا كما ان المسيحيين الشرقيين ساعدوا المسلمين على تحرير سوريا الطبيعية من احتلال الروم الغربيين وتخلصوا من ظلم بيظنطية و القسطنطينية ( التي كانت تظلم عدد كبيرا من الطوائف المسيحية التي لا توافق على سياستها و نهجها الديني ايضا ) , ويقول جورجي كنعان (( والاعتراف بان هذه الالسن ( يقصد السامية ) تكون مجموعة واحدة يؤدي الى الاعتقاد بان الشعوب ( يقصد شعوب سوريا الطبيعية ) التي تكلمت بها كانت متحدة في وقت ما عبر التاريخ )) - , فهل ان الشعوب الموجودة في الجزيرة العربية لم تكن متحدة معها في وقت ما عبر التاريخ ؟ ، انه المطب ذاته الذي وقع فيه الغربيون باقحامهم السياسة في التاريخ , فجزءوا سوريا الطبيعية بعد ان سلخوها عن تاريخها الحضاري ووحدتها مع الجزيرة العربية , فجاء جرجي كنعان و اولئك الذين نسجوا على منوالهم ( باراء خاصة بهم ) فجعلوا من سوريا العقل المدبر والمفكر الذي انتج الحضارات واخترع اللغة وحقق الانجازات العلمية بعد ان توهموا ان دور الجزيرة العربية كان معطلا منذ فجر التاريخ . وجورحي كنعان وان لم يكن مؤرخا غربيا فانه مشبع بروح غربية على ما يبدو تجعله يتغاضى او يمر مرور الكرام على العلاقة الحضارية الامومية التي تربط الجزيرة العربية بسوريا , والشيء نفسه ينطبق على حضارة وادي النيل التي هي جزء من حضارة الجزيرة العربية وسوريا على حد سواء .
لذلك فان حضارة سوريا بما فيها حوض دجلة والفرات , وحضارة وادي النيل يجسدان النتيجة الحتمية لبزوغ الحضارة في مهدها الجزيرة العربية وحضارتهما انما هي حضارة الشعب الذي هاجر من موطنه الاصلي ( لاسباب عديدة ) ناقلا معه حضارته التي بقيت في الادلة الدينية , التوراة والانجيل والقران , كما بقيت في مدنه الجديدة التي كانت نسخا لمدنه التي هاجر منها بالتسمية والشكل .
من هنا نرى ان اي محاولة في كتابة تاريخ سوريا بمعزل عن تاريخ الجزيرة العربية او حتى عن تاريخ مصر و شمال افريقيا تكون محاولة ناقصة تحتاج الى ما يكمل معالمها ، فالفينيقيين تركوا اثرا بالغا في شمال افريقيا امتد الى اسبانيا ايضا , واي دراسة للاشوريين او الاموريين او الفينيقيين وحتى للعبرانيين تكون ناقصة اذا لم يلحق الباحث هذه القبائل الى موطنها الاصلي في جزيرة العرب للتعرف على طبيعتها قبل الهجرة التي لم تتغير كثيرا بعد هجرتها الى مصر او الحبشة وحتى الى سوريا .
لقد دخل في كتب الكثير من الباحثين مغالطات تاريخية , معتمدين على مقولات العلماء الغربيين ناخذ منها مثلا ما يتعلق ببحر امورو العظيم الذي يعتقده البعض البحر الواقع في شرق البحر المتوسط , بينما هو في الحقيقة في بحر العرب , مثلا يقال (( ان تغلات بيلاسر - (1112-1074 ق.م.) تقدم الى سوريا العليا ووصل الى بحر امورو العظيم ( الغربي) , استنادا الى حولياته التي تقول : ذهبت الى جبل لبنان ثم عبر البحر الى ارواد وقطعت جزوع الارز وعدت بها عبر امورو. )) والمفارقة انه لا يمكنه ان يعود بجزوع الارز عبر بحر امورو اذا لم يكن له شواطيء مع بحر امورو . ان الاشوريون هم الذين يطلقون عليه اسم بحر امورو العظيم ويسمون سكانه ملوك وسط البحر (( حيث يقول ان ملوك وسط البحر من ( ي د ن ن ) بلاد ( ي م ن) حتى ( ترسس) خضعت تحت اقدامه )) وهنا نعلم ان ملوك وسط البحر هم ملوك اليمن وعمان ( ي م ن ) , كما ان( ي د ن ن) هي (عدنان - عدن) ,و سماهم شعوب وسط البحر لان بلادهم شبه جزيرة تقبع في وسط البحر ويحيط بها البحر من كل جانب كما يتجلى اسم البحر في اسماء مناطقها ( ( يما= يممن ) بالتنوين والفتحتين و (عمان ، عوما= بالتنوين والفتحتين) , وقول الملك الاشوري (( وغسلت اسلحتي في بحر امورو العظيم )) فلا بد من وجود بحر عظيم لا نهاية له بالنسبة لهذا الفاتح , ولا يوجد في التاريخ اكثر سذاجة من الذين اعتقدوا انه البحر الابيض المتوسط ( وصفته متوسط ) و اطلقوا اسم البحرالعظيم على بحر مغلق ( مثل البحر المتوسط ) له نهايات وصل اليها التجار والبحارة والفاتحون عبر التاريخ كله , وغفلوا عن بحر لا حدود له ولا نهايات ، لذلك فتعبير بحر امورو العظيم يجب ان يكون لبحر العرب الذي لا حدود له ولا نهاية لاتصاله بالمحيط الهندي , كما ان هذا البحر يتصل ببلاد الفرس والاشوريين من الخليج العربي ، مما يبرر جملة ( وعدت بها عبر امورو ) في النص الاشوري .
والنقطة المؤكدة الاخيرة المتعلقة ببحر امورو العظيم هو تلك الكلمات التي ذكرها ابن بطوطة الرحالة العربي المعروف واصفا رحلته الى اليمن حيث يقول (( ومدينة صنعاء مفروشة كلها فاذا نزل المطر غسل جميع ازقتها وانقاها وجامع صنعاء من احسن الجوامع وفيه قبر نبي من الانبياء عليهم السلام . ثم سافرت الى مدينة عدن مرسى بلاد اليمن على ساحل البحر الاعظم والجبال تحف بها ولا مدخل لديها الا من جانب واحد )) - رحلة ابن بطوطة-صفحة -243 و244 . من هنا نرى ان ابن بطوطة ذكر هذا البحر باسم البحر الاعظم , وهو اللفظ نفسه الذي اطلقه عليه الملك الاشوري بحر امورو العظيم .
لقد قفز العديد من المؤرخين فوق دور الجزيرة العربية في صنع التاريخ مستندين الى مقولات غير دقيقة , من هنا نرى ان جورجي كنعان الذي يشيد بدور الفينيقيين في شرق المتوسط ( وهذا متفق عليه ) وبابوتهم للحضارة اليونانية وبالتالي للرومان والاوروبيين يقفز من فوق دور الجزيرة العربية في التاريخ كله حاضره وماضيه وفوق دور الرواد العرب في كافة العصور وحتى في العصر الاسلامي فيقول على لسان بيرار (( لقد كان الفينيقيين لليونان ما كان اليونانيون بدورهم للرومان وما كان الرومان للغرب والغربيون للانسانية جمعاء )) ان جورجي مخطيء كثيرا هو وبيرار لان الحضارة السورية بدأ ت من الجزيرة العربية وبالتالي فانها بنت العروبة التي هي ام كل حضارة ومدنية
تحياتي وأشواقي..أبعثها لكم يا أصدقائي..فكلما رأيتكم ..نسيت تعبي وشقائي...
.