الوجه الآخر ...... للدموع
الحب ثقب في القلب ينزف دمعا .. ربما يكون هذا ارق واصدق واعمق تعبير عن علاقه الحب بالدموع والفراق والاحزان فالكاتب الروائي الفرنسي " فيكتور هيجو " كتب ذات يوم يقول : " كانت كل دمعة تسقط من عيني حبيبتي تحفر في قلبي عبارة : " احبك الى الابد ." .
والدموع في حقيقة الأمر ليس مهما أن تكون أمام من نحب بل المهم والأهم أن تكون تلك الدموع من أجل من نحب ، لأن هذه الدموع تنظف الأعماق من الداخل ، وتجلو نظرتنا للناس والحياة فلا نرى إلا الصفاء والنقاء والعطاء مهما كانت المسافه بعيدة والأماني صعبة وعسيرة . . وكلنا جميعا كذلك نبكي في أحيان كثيره رغم أننا نعلم جيدا أن الدمع لا يفيد ولن يعيد تلك الوجوه الراحله والقلوب المرتحله لكننا رغم ذلك نبكي لأننا نجد في الدموع راحتنا ونلتمس فيها العزاء والسلوى والمثل الياباني يقول : " البكاء ضروره ولكنه ليس حلا " .
إن الدموع رموش إصطناعية لكنها شفافة ، تغسل أحزان الروح وتضمد الجروح وتعيد إليها الهدو ء والقدره على التحمل والصبر فحينما تكون منابع الألم التي تفجر الدموع في النفس أقوى من كل قوه وقدره نمتلكها .. فنحن حينها فقط نبكي .
والانسان يبكي حين يولد ويظل يبكي مدى الحياه ، ويبكي عليه الناس حين يموت وكأن رصيده من الدموع لايكفي فيودع الحياه ثم يقترض من دموع الآخرين .
والدموع هي لغة الحزن الصامت وهي لغة الصدق والطيبة والموده والمحبة لا يعرف ابجدية لغتها سوى أصحاب القلوب الرقيقة والاحاسيس المرهفة . والدمع ليس مقصورا على الأسى فقد يكون أحيانا من رقة وطرب وشوق وحنان وأنس ونعيم . فللفرح دموع وهذه الدموع هي أيضا بطاقة الصدق وهي أيضا الخوف من فقدان الفرح .
وللقلب أيضا دموع وهذه الدموع لا ترى بالعين المجرده وان كانت أشد قسوه من دموع العين فللدموع مراره وأكثر منها مراره تلك الدموع التي لا نستطيع أن نذرفها فالدمعة لها قوتها وجبروتها وتأثيرها لذا كثيرا ما تستخدمه المرأه وكذلك الطفل كسلاح لتحقيق مطالبهما ورغباتهما أمام الرجل . فالطفل ينتزع مايريده بالبكاء والمرأة تنجح في تحقيق مبتغاها بالدمعة الصامته أما الرجل فإنه يبكي مرتين الأولى من أجل معاناته التي دفعته للبكاء والأخرى لأنه ........ بكى .
فالرجل لا يبكي مثل المرأة لأبسط الأسباب لكنه يبكي في القهر والصدق والعجز ، يبكي عندما يحب باعماق قلبه ، وهذه الدموع تنزلق من أجله حتى لا ينفجر ، حتى لا يتسلط ، حتى لا يتحول الى ألم مضاعف لذلك هو يبكي.
أما المرأة فتبكي في حالات كثيرة ومختلفة فقد تبكي من شدة التعاسة والاحساس بالقهر وخيبة الأمل في الحب ومن أشياء كثيرة في حياتها وقد تبكي من شدة السعاده أو شدة الخوف على الحب من الضياع وقد تبكي غيظا وحنقا وقد تبكي ضيقا بألم جسدي أو نفسي طارئ أو خجلا وندما على شئ فعلته .
أما الرجل العادي فإنه لا يبكي غالبا إلا في شدائد الحياة أو تعبير عن فرح لم يتمالك نفسه معه ولا شك أن سرعة إستجابة المرأة للبكاء من أسباب طول عمرها بالقياس الى الرجل لأن كبت الدموع تضاعف من التوتر النفسي ويورث صاحبه الصداع المزمن وإرتفاع ضغط الدم وربما قرحة المعدة .
فالدموع لها فوائد كثيرة فالإنسان في غمرة الحزن يفرز جسمه مواد كيماوية ضاره لكن الدموع تساعده على التخلص منها وتزيد من ضربات القلب فتعتبر تمرينا مفيدا للحجاب الحاجز وعضلات الصدر والكتفين وعند الإنتهاء من نوبة البكاء تعود ضربات القلب الى سرعتها الطبيعية وتسترخي العضلات ويتسلل الى الإنسان شعور غريب بالراحه مما يساعده على أن ينظر للهموم التي أبكته نظره أكثر وضوحا وموضوعية .
وللدموع فوائد اخرى ايضا فهي تغسل العين وتجلوها وتجعلها أكثر لمعانا ولولا أن العيون مبللة بقليل من الدموع لالتهبت وفقدت القدره على الإبصار لأن للدموع طبقه عازله وواقية ولذلك فالدموع نعمة ورحمه .
أما أغلى الدموع فهي بلا شك دمعة الأم وأصدقها دمعة المظلوم وأرقها دمعة الحب وأكثرها براءة دمعة الطفل أما المرأة ففي دموعها شئ من كل شئ .. أما دموع الآباء والأمهات فهو بلا شك دين يسدده الأبناء في المستقبل .
والحياه حافلة ببعض المواقف المفجعة التي يصدق فيها قول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم :" هنا تسكب العبرات " مثل مواقف الموت والمرض العضال والوداع والفقدان فالبكاء شعور إنساني له من الصدق ما لا لغيره من المشاعر ..
والشاعره الخنساء تقول في ذلك :
فلو لا كثره الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي
ومايبكون مثل أخي ولكن أعزي النفس عنه بالتآسي
وكلنا ياصديقي بحاجه الى أن نعزي أنفسنا بالتآسي عن كل حبيب وغال فقدناه في محطة من محطات قطار العمر